موقع الكاتب الفلسطيني زياد عبد الفتاح 
 
 �������       29/5/2023�         22:59

الصمت موت.. والكلام موت..!!
الاربعاء 10/1/2007م    01:50ص
بل نحن على مشارف حرب داخلية، لن ينجو أحد إلا إذا تسلّح الكل بوعي ثاقب وبملكة قادرة على رؤية وطنية، تُغلّب المصلحة العليا على أية مصالح فئوية أو تنظيمية، وأن ننظر بحيادية الى ما يطرحه الآخرون وليس الى ما يطرحه تنظيم دون آخر! ولسوف أعتقد أننا ذاهبون الى صدام تختلط فيه الاعتبارات وتتشعب فلا تقتصر على الفئوية التنظيمية أو الحزبية، وإنما تمتد الى القبلية والعائلية وكل ما ينبني عليهما وينتج عنهما من كوارث ومآزق، تمعن في تشظّي البيت ، وبالتالي في إضرار تدميري بالنضال الفلسطيني.

لعلي أطل على المشهد المعتم القائم في هذه اللحظات وقلبي يرتجف، فما زالت في الذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية بكل تداعياتها الكارثية، حينما كانت لا تكاد تنتهي جولة أو ' وصلة'، حتى تبدأ جولة أعتى  وأذلّ سبيلا. وكان الوسطاء والسماسرة والمبعوثون النشطون يهرعون الى الفرقاء، يحاولون التهدئة بصبّ الزيت على نار الحرب، ويغمزون ويحرضون في الغرف المغلقة!!

ولعلي لذلك أعتقد، بأن كل الجهود في هذه العاصمة العربية أو تلك، لن تُنتج سوى تفويت وقت وإضاعة فرص. كانوا في لبنان يتفقون في القاعات ثم ينقضون اتفاقاتهم على الأرض، ثمة أمراء حرب جاهزون ليفعلوها في كل لحظة تتهيأ فيها الفرصة لوفاق حتى ولو كان هشّاً، ليس هؤلاء وحسب، وإنما عملاء ووكلاء وسماسرة.. خُروق مدهشة للهدنة، هناك أساساً من أصبحت مهنتهم تخريب 'الهُدَن جمع هدنة!'

 بلادنا على أبواب ذلك كله، هناك من يدعو الآن لحوار في عواصم عربية، لا بأس فان من ضمن المهام كذلك تفويت الوقت بجولات حوار لكسب فرص أكبر للاستعداد للجولات القادمة.. يا إلهي ما أتعسنا حين نضع أنفسنا في سياق سيناريو الحرب الداخلية، التي تحركها كراسي السلطة والحكم، ولكن يحركها في خلفية المشهد أعداء هذا الشعب الذي يُسقط ذاكرته بالانسياق وراء هؤلاء أو هؤلاء.

* * *

لم أكن في غزة حينما حاصروا العقيد الشهيد محمد غريب' أبو المجد' وحينما ظل يقاوم ساعات طويلة، وعندما راح يوجه نداءات النجدة لساعات ممتدة، ولما لم ينجده أحد فانه ظل يقاتل ويقاتل حتى تمكنوا منه.

لم أفهم ولم أقدر أن أتصور أن أحداً يقتله كل هذا القتل ويكون فلسطينياً، ولم أتخيل أنه يظل يطلق النداءات عبر الإذاعة فيسمعه القاصي والداني دون أن يهب قومه لنصرته أو حمايته! كأننا في غاب وكأننا مغيبّون ومخدّرون وبلهاء.. قال لي أحدهم من كوادر 'فتح' المتقدمة: لذلك لم أذهب الى مهرجان الانطلاقة في ملعب اليرموك في غزة. منذ تلك اللحظة التي شهدت فيها الموقعة الوحشية، يتملكني الغضب، ولا أزال حتى يوم المهرجان وحتى اللحظة غاضباً ومحبطاً ومقهوراً، ولم أشارك.

 وقال: كان الرجل واحداً من الرموز الأسيرة، وكان هيّاباً ومخلصاً، فلماذا يقتلونه ومن هم القتلة؟ هنا أزمة فتح ومأزقها، وهنا لا يهمني مهرجانها بقدر ما تهمّني قدرتها على الدفاع عن أبنائها.. بالمناسبة لم أزل لم أفهم بعد كيف تمضي جريمة اغتيال الأطفال الأشقياء الأبرياء الملائكة الثلاثة دون كشف، ودون عقاب!! هل تعرف لماذا أنا غاضب أيضاً؟ لأنني حزينٌ لأنني لم أدرك أن من لا يهب لنجدة العقيد محمد غريب، ولا نجدة العميد جاد التايه، ولا لنجدة أطفال بعلوشة الثلاثة وقبل ذلك طارق أبو رجب، وقبله راجح أبو لحية وحتى موسى عرفات وقبلهم وقبلهم! لا تعوضه كل مهرجانات الأرض عن الإخفاق والعجز عن الفعل و..قلة الحيلة.

* * *

لسنا في بلاد الأشباح أو حتى الأشباه، يحدث كل شئ ولا نعرف! الرئيس قلق وساخط ويأمر بملاحقة المعتدين والقتلة وتقديمهم للعدالة، كم مرة.. كم مرة؟! لم نعلن أننا اكتشفنا أحداً من هؤلاء الذين يداهموننا كل عشية وضحاها، الملثمون يستبيحوننا والسلطة لا تسّمي والفلتان يمضي الى جنون، والى ' طخطخة' الأرجل عند التقاء الساق مع صابونة الركبة! طبيب قال لي إن كل الإصابات التي عالجها كانت في مكان محدد يفي بغرض الإعاقة، ولا يؤدي الى القتل براقوا!! هل حقدنا دفين ومجنون الى هذه الدرجة، ولماذا لا نسمي الأشخاص بأسمائهم والسّحن بأشكالها وألوانها؟

نحن عباد الله السواد الأعظم، الغالبية الساحقة الصامتة، نريد أن نفهم من الذي يقتل في عتمة الليل، أو على الأقل الذي يقتل في وضح النهار جهارا من حقنا أن نعرف لكي لا نظل 'ننده' ولا من مجيب، نواجه موتاً ممتداً لا رحمة فيه ولا حرمة، ونقابل حرقاً وتدميراً لكل مقومات حياتنا!

* * *

  قلتُ أصمتُ

. قالت روحي: بل تكلم أحكي

 وقال الشاعر:-

 الصمت موت والكلام موت، قلها دمت.
 

إخفاء الكل
||
عرض كافة التعليقات
عدد التعليقات (0)
التعليقات مملوكة لأصحابها ولا تعبر عن رأي الموقع
لا يوجــد تعليقـــات

عنوان التعليق
الاسم
البلد
التعليق
500





هذه الصور هي التسلسل الزمني للتاريخ للكاتب زياد عبد الفتاح
وهي ملك لصاحبها ولا يحق لاحد التصرف باي ماكان من هذه الصور