ولا تشفع اللغة ولا ينفع الحماس، ولا تقاس الوطنية بارتفاع الخطاب، فيطرب السامعين الذين ينفضّ سامرهم دون أن ينفقوا مالاً أو يبذلون دما.. المكاشفة أن نسأل هل كان ضرورياً ومصلحة وطنية، أن تحكم حماس لنبلغ ما قد بلغناه، وندخل نفقاً مظلماً ومأزقاً لا سبيل الى تجاوزه والخروج منه؟! سوف نظل نحتفل بالعرس الديمقراطي الذي أقمناه والذي صعد بحماس، وسوف نواصل مشورانا في اختياراتنا التي ارتضيناها لكن السؤال يظل هو السؤال: كيف وبأية آلية وأية أدوات ننظم شؤون حياتنا، ونبني استراتيجيات قابلة للحياة، وننشئ أفقاً للأجيال القادمة؟
ثمة ما هو بعد البطالة والجوع والعرى والفقر المدقع الذي يهددنا، ما هو مستقبل أولادنا وكيف يتعلمون، وبأي السبل والوسائل نُحكم صيانة أرواحهم ونفسياتهم فلا يشبوا مُتخلّفين او جهلة وأميين. لقد أثبتنا حتى اللحظة أننا موهوبون في استعراض عضلاتنا في شوارعنا واننا أعلى موهبة في اختياراسماء حجافلنا في حاراتنا، كيف لم يخطر لنا أننا نستعرض على أهل يذوقون الويلات صباح مساء ويطوون الليل على بطون خاوية. الى أين نحن متجهون وأين نذهب؟
اين الحكمة في الحكم، وهل الهدف في النتيجة حكم يوصد الأبواب، ولا يحفل بالعالم من حوله؟ من حق كل مواطن ان يسأل عن الضريبة التي عليه أن يدفعها ولماذا؟ وكم شهراً وكم سنة وما هي الغاية التي تبرر كل هذه التكاليف؟
* * *
العاملون والموظفون وحتى المديرين الذين هم أعلى وجاهة ومرتبة معظمهم لا يذهبون الى أعمالهم لأنهم لم يقبضوا شهراً كاملاً وأظنهم مرشحين لعدم القبض بعض شهر آخر وربما أشهرا.
في الماضي كان من يتغيب عن العمل او يتهرب أو حتى يغافل السلطة فيمضى الى عمل آخر يعينه على شؤونه ومتطلبات أسرته، يُسجل في خانة تخصم من إجازاته أو تعتبره متغيباً بدون أجر أومريضاً وليس على سفر..
الآن لا يملك أحد أن يسجل أحداً في خانة او أن يخصم او يعاقب، فليس لدى العاملين والموظفين أجرة ركوب تُقلهم الى أعمالهم،وإن وجدت الأجرة ولو من جيوبهم الخاصة فانهم لايجدون ورقاً يكتبون عليه أو مداداً يسّود صفحاتهم أو يبيضها.. لو كنت أملك كنت أضع هذه الملاحظات وملاحظات كثيرة غيرها في رأسي وأسأل: هل نحن نمضي في صعود ام أننا نهبط نحو الهاوية ثم الكارثة؟!
لايهم المواطن من يحكمه، ولكن يهمه ان يعيش في أمن وسلام وراحة وهدوء بال ، ولكن قبل ذلك ان يؤمن قوت يومه وقوت عياله.
* * *
قالت لي :
- بصراحة، أحب كثيراً ما تكتبه. لك أسلوبك المميز وتعبيراتك المفاجئة المدهشة، لكنك مثل الزئبق تمرق من بين الكلمات! تقول ولا تقول.. لو كنت فقط أكثر صراحة، لو تضع النقاط على الحروف.
قلت:
- بصراحة أعلى، اقول لك انني اختار كلماتي وأزنها بميزان الذهب. ففي اللغة متسع لأن تقولي كل ما تريدين قوله تماماً، دون ان تستفزي أحداً فيطلق عليك في فوضى السلاح النار فيرديك. ومع ذلك أصارحك بأن البعض تخونهم اللغة، أو انهم لا يُوفّقون في قول أو خطاب فيقيمون الدنيا ولا يقعدونها، هل تفهمين ما أقصد .. اذا لم تفهمي فانك لن تدركي الفرق بين المروق من بين الكلمات، والمروق الى استفزاز رأي عام كلي..
المهم المهم تبليغ المراد وليس استفزاز العباد.
* * *
في السياق ذاته قالت:
- ألا تخاف حين تكتب ولو كنت في كتاباتك تبدو زئبقياً. أحيانا يخيل الي أنك اكثر جرأة ووضوحاً وتطرق مواضيع لا تخطر لأحد وتسمّي الأشياء بأسمائها، ولكنني أغبطك لأنك حين تسمّي تعرف كيف تسمّي فتقطع الطريق على من تسمّيهم.
وفي السياق ذاته قلت:
- أنا لا أخاف ويجب ان نتعلم جميعاً أن الديمقراطية لها وجه واحد يسحب نفسه على الأشياء والمسميات جميعها، وفي الديمقراطية ممنوع الانتخاب بمعنى أنك لا يمكن ان تكوني ديمقراطية هنا وغير ديمقراطية هناك .. الديمقراطية تربية واختيارات فوق كل الجبهات مهما تنّوعت، وأعلى الاختيارات شفافية هي ان تقبلي ما لا يناسبك قبل ان تختاري ما يناسبك، ما دام ما لا يناسبك هو الرأي الغالب لذا لا أخاف أحداً، واذا حدث ما لا تحمد عقباه فان الديمقراطية في بلادنا تصبح كذبة ومهزلة وكفرا وجهالة..
* * *
عبد الشكور قرر ان لا يسلّف احداً ولو كان خبزاً.. عبد الشكور له فلسفته والتي تتلخص بالمثل القائل تعامل مع السعيد تسعد ومع التعيس تتعس!
الكل في بلادنا تعساء هذه الأيام لانهم لا يقبضون ' فالقبضة' هي مركز دورة حياتنا الاقتصادية في غياب كل انتاج يصادره العنصريون بغية تدميرنا وتجويعنا.
عبد الشكور لمن لا يعلم صاحب ' سوبرماركت' كبير ولكن ديونه بدأت تهدد امكانياته لذلك قرر ما قرر متوكلاً على الله قبل ان يحل به الخراب وينضم الى طابور الجياع، وحتى لا يأتي يوم يجلس فيه فلا يجد حوله سوى الرفوف الخاوية وبعض الكماليات التي يشتريها الناس عندما يكونون قادرين على شراء الزيت والزعتر.