لا بأس إذن فلتأخذ العملية الديمقراطية مسارها من جديد ولكن على الرئيـس 'ابو مازن' أن يحسم خيارنا جميعاً فيذهب إلى تحديد الوقت ، إن التحديد تعبير عن الجَديّه وتبديد القلق العام ، مثلما هو سلاح لعلاج فلتان طال أمده .
* * *
ولسوف يظل يعبجني الرفيق نايف حواتمة أبو النوف ، إنه أبعد نظراً وفهماً سياسياً وتشخيصاً لواقعنا ، هذا رجل وقائد لم يخن قناعاته ولم يرهن نفسه للجغرافيا المكانية، وهو عندما اتخذ موقفاً على رأس الجبهة الديمقراطية كان واضحاً ومحدداً ومستشرفاً وقارئاً جيداً للخريطة السياسية .
بعض السياسيين تحجبهم المسافات الجغرافية عن الرؤية الواضحة فيقعون فى مأزق التشخيص أو الفتوى التى تقودهم إلى مواقف متسرعة تحرف لديهم البوصلة ، أمـا ابو النوف فكان واضحاً وكان قارئاً فطناً وبمسؤولية وطنية عالية ، عندما أعلن فى دمشق أنه والجبهة الديمقراطية مختلف مع الفصائل كلها ، وأنه مع ما ينقذ الفلسطينيين فى الذهاب إلى انتخابات مبكرة إذا لم تنجح مساعي تشكيل حكومة وحدة وطنية .. أظن أن ابو ' النوف ' يعلم فى داخله أيضاً أن لا فرصة واقعية لمثل هذه الحكومة فى هذه الظروف وهذه التركيبة ..
* * *
لم أكن من المعجبين بالرئيس العراقي السابق صدام حسين ، وكان حكمه وتصرفاته وإدارته الدكتاتورية تثير الغضب والحنق . ولكن ما فائدة أن يعجبنى أم لا، إذا كان ما نراه اليوم بعد عهده وفي عهد الاحتلال الأمريكي والحكام الذين لا يغادرون المنطقة الخضراء ، يخجلنا ويؤلمنا ويفجعنا ويفاجئنا ! الأشلاء التي تتناثر فى الشوارع فى كل يوم ، القتل والاغتصاب وهذه الحرب اليومية التي تشارك فيها القوات الأمريكية جهاراً نهاراً ، وهي تقصف وتضرب وتدمر وفى كل مرة بطريق الخطأ ! كل هذا صناعة مَنْ ومِن أي ثقل وأي وزن ؟
ذهب صدام حسين في واحدة من أفظع التراجيديات الانسانية : محاكمة مهزلة لا يحكمها قانون ولا تسيرها شفافية أو عدالة ، ونطق بالحكم متسرع وجاهز ولا يراعي مدده القانونية التي تشكل عيباً فى جوهره ومشروعيته ، ثم هذا الاعدام الشرس الذى يضع الولايات المتحدة ، المسؤولة الأولى عن حمايته ، فى خانة تدينها وتدمغها ولا تشرف الامريكيين جميعاً .
ليس هذا وحسب ، وإنما أتساءل عن مصير العراقيين بعد اليوم . أحياناً عندما تصدمنا المشاهد الدموية اليومية نخرج من كل النظريات والشعارات ، ما جدوى الديمقراطية واندحار الدكتاتورية إذا كان الذى ينادون بها أسوأ كثيراً كثيراً .. ولا يستطيعون حماية الأنفس والأعراض والممتلكات.
ما يجرى فى العراق ليس صناعة وطنية عراقية ، وليس سعياً لمصالحة وحياة أخرى خارج القهر والقتل والدكتاتورية ، وإنما هو صناعة أخرى شيطانيه. صناعة أمريكية هدفها تأمين النفط ونهب الثروات ، وليذهب كل العراقيين إلى الجحيم .
ومثلما كان صدام منبراً للجدل فى حياته وحكمه وسياساته: أزعج الجيران وأغضب الإخوان وحكم بالحديد والنار ، فإنه الآن فى مماته أكثر جدلاً !! لم أر رجلاً محملاً بكل هذا الغموض والكراهية ، يمضي شهيداً بكل هذا التعاطف العام الذي لم يستثنِ الأوروبيين وجزءاً من الأمريكيين وفى كل بقاع الأرض . ولسوف يكتشف العراقيون كـم أساءوا لأنفسهم عندما رهنوا وطنهم للولايات المتحدة الأمريكية ولأشباه الرجال !