وفي ظني فإن الانشقاق بعد بيروت ربما كان هو الأخطر بما أنه كان يتبني من نظام عربي معبرا وممرا وقاعدة لتحرير فلسطين ، ليس وحسب على صعيد الجغرافيا وإنما على صعيد الايديولوجيا أيضا . لقد تجاهل المنشقون في ذلك الوقت أن حركة ' فتح ' كانت في نشوءها تنطلق من إيمانها بعدم جدوى الأنظمة في تحرير فلسطين . على أي حال كانت تلك وجهة نظر تقبل الوزن والقياس ، فهل ما يجرى الآن داخل ' فتح ' هو وجهة نظر ورؤية ، أم أنه صراع على الأدوار والمكاسب، وعلى مقاعد المجلس التشريعي ، وبالتالي الاستيلاء على السلطة سلميا وديمقراطيا ، في ' الظاهر ' ، على الأرجح ؟!
وفي ظني كذلك فإن المناخ الديمقراطي السائد ربما يسمح ، حتى اللحظة ، بحوار يفيد منه الجميع، إذا ما أتيحت الفرصة للعقل أن يتعقب الأسباب والعوامل والدوافع والآليات ، وأن يتحدث بشفافية تُخرج من اعتباراته الداخل والخارج، والمواطن واللاجئ، والمقيم والعائد، والمحرر من الأسر أو القابع فيه ، أو حتى الذي لم يأته أسر من قبل ولا بعد ! لقد انخرط معظمنا في اللعبة حتى أننا كتلنا حولها كوادر وأنصارا مسلحين وعلى أهبة الاستعداد لتكون ثمن الكلمة رصاصة، وإبداء الرأي ' صلية ' ، وصندوق الانتخابات هدفا لا تشفى الغليل فيه رصاصات ، وإنما زخات تبعثره وتحرقه وتذهب بالضمير الانتخابي وضمير الناخبين .
ولا بأس ، فحركة فتح ليست مقدسة لا تقبل القسمة أو الانشقاق ، بل أنها ربما كانت المؤهلة أكثر من أية حركة أو تنظيم آخر ، بما أنها حركة وليست حزبا ، وبما أنها فضفاضة سهلة تقبل الخروج والدخول دونما حسابات خطرة ، وبما أنها في المحصلة بحزام عصي على القطع ولكنه حزام مطاطي بالغ المرونة والقدرة على الاستقطاب والسعة .
لذا فإنني أجنح وأنا أنعم النظر في المستقبل إلى الاعتقاد بأن التعبير الأعلى عن الحالة، هو أن حركة فتح تواجه في حالتها الراهنة انقساما وليس انشقاقا .. وهنا يدهمنا السؤال الأخطر حول استحقاق القسمة أو مجرد الدخول فيها والأسس التي تقوم عليها والدوافع التي تحكمها ، إذا كان وعاؤها مجلس مرتقب تُصاغ شروطه في واشنطن أو تل أبيب أو كليهما معا . شروط هي خارج كل شفافية وديمقراطية وكل نزاهة يمكن استدراجها أو حتى افتراضها؟!
ثم ماذا عن الفلسطينيين الذين هم الأكثر في الشتات . هل نختصرهم فلا رأي ولا حول ولا قوة ولا انتخاب ولا ترشيح ؟ هنا اعتقد أن تغييب المنظمة كان أفدح خطأ ارتكبته الأطراف جميعا والتي باتت في ظل مأزقها تحج اليها فرادي، وفي السر والعلن محاولة الاستقواء بها !!
* * * *
تقديري أن حركة فتح سوف تحصد أصواتا وهي في قائمتين لم تكن لتحصدها وفي في قائمة واحدة ! ففي القائمتين صراع، وفي الواحدة تسديد حسابات ربما يصل إلى حد الضرب تحت الحزام يفضى إلى الإطاحة بالكل . لكن السؤال ليس هنا ، وإنما ماذا بعد الانتخابات ؟!
اشفق علينا من الإجابة فلن تكون هناك فتح واحدة وإنما فتحين أو أكثر ، وأشفق مرة ثانية عندما أعود بالصورة إلى صناديق الاقتراع وهي ' تتخردق بالرصاص . هل أصبحت هذه سنة فتح . كتبت ذات مرة أنه عندما لا يكون هناك أمل فإنه لا يكون هناك ' يأس ' !!
* * * *
رحم الله ياسر عرفات. لو لم يمت مسموما كان يملك أن يخلط الأوراق داخل حركة فتح ، ليعيد ترتيبها . قد ترى مهما أن تكون في المجلس التشريعي ولا تقبل عن ذلك بديلا . عندما تبلغ هذه الدرجة من التصميم والعناد، كان عرفات يلعبها ينحني ويمنحك ورقة الدخول بابتسامة محملة بحقد دفين ، مثلما يمنح غيرك ورقة الوظيفة، أو ورقة المال، أو حتى ورقة رفع معنوياتك.
أين نحن الآن ، بل أين نحن ؟!
* * * *