لن يشغلنا المعبر وإطلاق النار واستعراض القوة واقتحام ممتلكات الشعب من أجهزة ومعدات ، ولن تطوى قضية الأطفال الثلاثة بادعاءات إطلاق النار على المواكب ' هكذا التعبير المخجل على أفواه ' النطقاء ' الرسميين ، ولماذا لم يظهر القتلة وهم ظلوا يقتلون فى عرض الشارع العام ، وتوقفوا ليتأكدوا من مصرع الأطفال ، فيما يقال إن القتلة العابرين الذين لم يقتلوا وتعرضوا لموكب وزير الداخلية قد تم اكتشافهم والقبض عليهم ، وحتى هذا لم يعلن عنه ولم يسمى القتل بأسماء فاعليه !!
كل التداعيات القادمة من بعيد ، والتى كان فيها المعبر هدفاً ، ثم كانت التظاهرات المسلحة الغاضبة الصاخبة المشتبكة وسيلة ، ثم هذا الفلتان الجامح الأحمق الأعمى على الرغم مما فيه من عنف وإرهاب لا يشغلنا سوى بمقدار أنه تسلسل طبيعى للجريمة وهى ترتفع بدون وازع أو ضمير فنحن منذ فاجعة الأطفال الثلاثة نتلمس عارنا وخجلنا وخيبتنا، وأننا أصبحنا شيعاً ومللاً وعصابات ، وصار دمنا مباحاً وفى سبيل الحكم والكراسي يهون الكل ويستباح الشعب كاملاً ، ولا فرق بين من يجوع اليوم أو يجوع غداً فالكل ذاهب إلى جوع إلا أمراء الحرب وميلشيات المنظمات والأحزاب ، الذى ينطلقون بمواكبهم ويعدون استقبالات تكلف ما يقيت مئات وآلاف العائلات !! هل يظن الذين يفعلونها أن الناس الذين افتقروا والذين لم يقبضوا رواتبهم للشهر العاشر لا يتساءلون عن الذين يشاركون ويحرسون المواكب ، فضلاً عن القتلة . هل هؤلاء يفعلون ما يفعلون وبطونهم خاوية ؟!
ولو .. جعنا ، ولو ظلوا يرهبوننا ، ولو تمترسوا فوق اسطح المنازل ، ولو تبادلوا الخطف واستعرضوا كل قوة الأرض ، فإننا لن ننسى ولن نسامحهم .. من الذى ذبح الأطفال الثلاثة فى عرض الشارع بكل تلك القسوة المجرمة والجبن والجبروت ، فتلك جريمة يبدأ من عندها انهيارنا الأخلاقي والانسانى ، فاذا لم نتدارك هذا كله بالاعتراف أو على الاقل بالمعرفة ثم المحاسبة ، فإننا لا نستحق ـ بالمناسبة راعنى تصريح وزير الخارجية الذى يتحدث عن تسديد حسابات داخل أجهزة الأمن أثمر الجريمة البشعة ، نريد من الوزير أن يتحدث علناً إذا كان يملك معلومات، فليكشف عن الفاعلين ولو كانوا مهما كانوا ، نريد أن نعرف أم انه ليس لديه من معلومات وأن الأمر لا يعدو وقيعة ... إذا كان الأمر كذلك فيا خيبتنا بوزير خارجيتنا.
* * *
نحن الشعب ، كل فلسطينى هو الشعب والشعب هو من انتخب والشعب هو الذى جاع وتعرض لكل هذا القتل الشرس ، والذى فقد أمنه وأمانه ، يملك الشرعية كلها ليراجع حساباته وليقول كلمته فيما يجرى ، وصلنا قاع الجوع وليس حافته ومن حقنا أن نذهب إلى صناديق تنقذنا ، فاذا اخترنا حماس مرة أخرى فلنخترها رئيساً وأعضاء مجلس تشريعى، فنكون بذلك نعبر عن رغبتنا فى الاستمرار ، وفى هذه الحالة على كل المتحذلقين أن يتواروا ويفسحوا الطريق ، فهذه إرداة شعب ولو قرر الانتحار ! ما الذى يزعج حماس إذن ولماذا يقيمون الدينا ولا يقعدونها لأن محمود عباس يطلق الدعوة لانتخابات جديدة تشمله ، ألا يخشى أن يرسب فى امتحان الديمقراطية .. أعرفه تماماً لا يهمه ، وهو عندما يفعلها يفعلها مخلصاً وصادقاً ، أظنه أساساً يفعلها متأخراً ، وفى السياسة يرتفع التوقيت حتى يكاد يكون انتصاراً أو هزيمة .
* * *
راعنى كذلك مشهد أخى وصديقى والقائد التاريخى فاروق القدومى ابواللطف ، وهو يظهر على ضفاف رموز تكلست ومنذ ربع قرن تقاتل بالكلمة والخطابات الثابتة ، والمواقف التى لا تتغير ولا تتبدل ، على الرغم من المتغيرات العاصفة ، المدمرة أحيانا والجارفة فى أحيان أخرى .. كان الجميع فى المؤتمر الصحفى يجلسون فى المواجهة ، هدف واحد يجمعهم ، لا يريدون انتخابات مبكرة ولا استفتاءات ، ولا تحركاً ينتشلنا من المأزق لماذا؟!
فى السياسة ليس هناك من نهائيات ، وفى التعامل مع الدول والمجتمعات والشعوب، ثمة ما يملي مرونة وفهماً دقيقاً ، وتعاملاً مع المعطيات المحلية والإقليمية والدولية .
سؤال يظل يطرق عقلي : ماذا تقول الجغرافيا عندما تتغير السياسة وتصبح الطريق سالكة نحو محادثات أو مفاوضات بين أطراف عربية وأمريكا وإسرائيل ! وتطرق رأسى ايضا أسئلة عن العبث ، رفضنا التقسيم ورفضنا 242 ورفضنا التفاوض ، ورفضنا ورفضنا ثم عدنا . الجالسون فى دمشق من قبل رفضوا حتى وثيقة الأسرى ثم عادوا يقبلون ؛ لماذا نصر على تأخير المواعيد حتى تفوت ، فنعود ولكن بعد فوات الأوان !!