مرة عاشرة، لأننا كلنا بحاجة الى الحفاظ علينا وصيانة شعبنا، مطلوب حكومة من الشعب.. لا حكومة حمساوية ولا حكومة وحدة وطنية تتناحر فيها الفصائل والتنظيمات والأحزاب والكتل كي تظفر بمقاعد أو كراس أكبر! لو ندري لو نعلم الورطة الأخلاقية والوطنية التي نحن فيها.. كراسي على 'خوازيق'، ولا تشّرف ومعلون أبو مثل هذا الشرف الذي يأتي على حساب أطفال وأسر تجوع وتمتهن كرامتها، وتتدهور أوضاعها وينتهك سياج أمنها الى الحد الذي ينخفض تحت خط كل شرط آدمي!
لن نشد الحزام على البطون من أجل أحد مهما جلّ أو عظُم و تمترس خلف دوافع وطنية، نحن الوطنيون ولا أحد يشكك بوطنية الشعب، وما دام الشعب يعترض ولا يطيق صبراً على ما هو فيه فإن كل تعريض به هو خروج على الوطن والوطنية. رمضان الكريم أتى ورمضان راح ولم تنفرج بل تدهورت الأمور وزادت تعقيداً. من قال أن الصبر على الجوع وطنية ؟ الصبر على الجوع من الشروق حتى الغروب عبادة، لكنه حين يصبح جوعاً مقيماً يضحي كفراً، والمطالبة بالكف عن كل جوع ليس تفريطاً وليس تسليماً وإنما هو صمود في وجه شهوة الحكم التي تحتال بأخلاقيات ومبادئ ومصالح عليا! نحن منها براء.
وفي الأسبوع الماضي في دفاتر الأيام كتبت عن رفضنا منذ النكبة، هذه المرة أكتب عن الرفض الحالي. وفي البداية منذ حكومتنا الرشيدة القائمة كان كل شئ مرفوضاً: الرباعية وشروطها مرفوضة بالكامل والمبادراة العربية مرفوضة والحصار الجائر' بالتأكيد'، نسطيع كسره ونملك دحره! ثم بدأت الحكومة تسلم واحدة بعد واحدة حتى لم تبق سوى واحدة، لحكومة حماس التمترس عندها. قد يكون بقى غيرها لكن الباقي لا يقف جبلاً لا يمكن زحزحته. لماذا كانت الحكومة قد رفضت حكومة الوحدة من قبل ثم عادت لتقبلها ثم سوف تعود لتقبل حكومة بلا وحدة؟ من علّمنا هذه الثقافة الرفضية ثم القبول الجزئي، فالقبول الأعلى فالقبول بكل ما يكن مقبولاً في وقت ضائع؟ قد تكون قراءة موسعة وشاملة ولكنها قراءة متأخرة ولكي لا تظل القراءة تتأخر فنخسر التوقيت الدقيق والحاسم فإن علينا أن نترك الرفض، ونقبل بكل ما يحقق مصلحة شعبنا ويؤمّن حياة الناس.
* * *
لم تقل هي هذه المرة وإنما هو الذي قال:
- حكومة الوحدة الوطنية خيار حازم ولا رجعة فيه وأقل منه تفريط واستجابة لإملائات الولايات المتحدة والرباعية.
قلت: ولكن العالم الذي لم يقبل بحكومة حماس لن يقبل بحكومة الوحدة الوطنية، أو على الأقل ثمة خلاف على ذلك، بعض يقبل وبعض يرفض وهم الأقرب الى دائرة القرار الذي يمسك بخناق العالم.
قال: الرئاسة تستجيب لللإملاءات الأمريكية والدولية.. والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح تمضي قدماً في تفريطها. لن نركع ولو جعنا ألف عام وعام .
قالت.. هذه المرة لم أقل، كدت أبكي، هذه العبارات الأدبيات السقيمة الجاهزة عن القيادة المتنفذة في السلطة والمنظمة سمعناها حتى مللنا.. خطاب سقيم ومكرر ولا جدوى له وليس بعده سوى الخراب! نريد خطاباً يدلّنا على الإجابة عن سؤال ما العمل؟ خطاب يخرجنا من ورطة الجوع ورطة الذهاب بعيداً خلف أوهام الشعارات البائدة وشعارات الأوهام، وخطاب يقودنا الى التحرير والاستقلال والوحدة الوطنية.
* * *
قالت: قلّبت في الفضائيات فراعني ما رأيت وسمعت. أصبحنا سوقاً يتراكض اليه السماسرة والمفتونون بالإثارة ومقاولو البرامج الساخنة، الكل يريدنا أن نقتتل ونقاتل طواحين الهواء أو الفضاء .أصبحنا ' ملطشة ' لكل من هبّ ودبّ!! شاهدت ذات مرة شريطاً سينمائياً أمريكياً يتبارى فيه الراقصون فيسجل أكثرهم صموداً من النقاط ما يجعلهم يفوزون بجائزة كبرى، وكان المتفرجون يذهبون الى بيوتهم يطعمون ويشربون ويرتاحون ثم يعودون للفرجة من جديد، فيما الراقصون والراقصات يهدهم التعب حتى الإعياء أو الأغماء .
هكذا أصبحنا، فوق مسرح يستهلكنا عبر فضائيات تستدرج شهوتنا للكلام، فنندفع مثل الراقصين في ذلك الشريط الأمريكي حتى نسقط غباء أو إعياءً! لماذا وصلنا الى هذه الحال الذي نحن عليها؟!
قلت: لأننا لن نتقن توقيت صمتنا وكلامنا. وبصراحة نحن ننقاد بعواطفنا وحماستنا التي تقودنا الى الفوضى والهاوية.
* * *
قالت: نعم. قلت: لا. قالت: أخرجُ . قلت: أدخلُ. قالت: عجباً. قلت: رَحَبَاً. قالت لو تدري ماذا نفعل. قلت ببساطة لا نتفق ولا نفكر وندمر بعضنا البعض وندمر أنفسنا.
* * *
قالت: هل فكرت في أمر بسيط ولكنه بالغ الدقة والتعبير. قلت: بماذا أفكر. قالت: بعد سنوات تعقب هذه السنوات سنخسر شبابنا أكثر عشرات آلاف منهم بل مئات شهداء أو في السجون والمعتقلات.
شباب يتهيأون ليكونوا رجالاً وأرباب أسر الرجال الصغار يستشهدون، يموتون. لماذا لا نفكر بأن هذا يقود الى خلل في توازننا المجتمعي، بعد حين يكون هناك نساء أكثر من الرجال بكثير، كيف نعود فنحقق عدالة التوازن الطبيعي، التوزان الذي منّ الله به علينا.
قلت: أين المشكلة للرجل أن يجمع بين أربعٍ، لم نصل بعد الى أن يجمع إثنتين.
قالت: لم تفهم بعد ليست هذه هي المشكلة، المشكلة أننا نخالف توازن الطبيعة ونلحق بالمجتمع أضراراً تفوق ما تتصوره.أعرف أنك تناكفني فأنت لا تقدر على واحدة، ثقافتك لا تسمح أساساً بأكثر منها قلت: لقد التقطتني جيداً كنت أمزح، وصاحبي الذي كان يناقشني قبل قليل حول الرفض مهما كلف من الأرواح والمال والرجال، لا أظنه قد فكر في هذه المسألة. مسألة توزان الطبيعة وموازنة الخلق الإلهية، مازال مشغولاً بالقيادة المتنفذة في المنظمة والسلطة والتي تحسن لو تنحتّ وأتاحت له أن يأخذنا الى الهاوية.