في اليوم السادس عشر للحرب المجنونة المدبرة المحملة بكراهية عنصرية، وبينما كانت المواجهات فوق محور عيناتا ـ مارون الراس ـ بنت جبيل تمضي طاحنة، لا يحقق فيها الجيش الإسرائيلي نصراً اعتاده أو تقدماً، حدث شئ ما فجأة ! دخل عنصر آخر جديد ظل مسكوتاً عنه،لا حزب الله الذي أمطر ما قبل حيفا ثم حيفا وما بعدها بوابل صواريخه دقيقة التوجيه،ولا إسرائيل التي واجهت ارتباكاً عسكرياً وإعلامياً لم تبلغه في تاريخها، ولا الولايات المتحدة التي بدا أنها تمسك بساعة توقيت الحرب، لا أحد من هؤلاء جميعاً تحدّث أو حكى، وظلّ المسكوت عنه مسكوتاً تشير إليه اللغة المحكية في واشنطن أو تل أبيب أو في الأقبية التي تحصنت فيها قيادة حزب الله في عموم لبنان؟! تلك اللغة مهدت لها إسرائيل باعترافها بخسائر فادحة في بنت جبيل ومحور مارون الراس، وبإعلانها بأنها لن تتوسع في الحرب البرية، حتى أن لهجتها حول الأهداف التي رافقها ارتفاع في وتيرة الصوت وتهديدات حاسمة، قد خفتت وانخفضت حدّتها.
ربما واشنطن هي التي حكت بأوضح ما يكون الحكي حين خفّضت من سقف تصريحاتها التي ظلت ترفض وقف إطلاق النار قبل تحقيق 'الأهداف!!' ، فراحت تتحدث عن أن الوقت قد حان لوقف إطلاق النار، وهو ما ورد على لسان وزيرة الخارجية ' كوندا ليزا رايس' التي أدارت ظهرها لمؤتمر روما، الذي حاول بلوغ نقطة توازن تفضي الى وقف لإطلاق النار.. إن كل من تابع الوزيرة وهي تتحدث ثم وهي تغادر روما، ما ظل يرافقها من احتقار وصلف سوف يتساءل ، لماذا فجأة تبدلت المواقف على تلك الصورة الدراميتكية؟!
ما هو المسكوت عنه ؟ هل لصواريخ العفولة التي تحمل رؤوساً من المتفجرات بزنة مائة كيلوغرام والتي أطلقها حزب الله ترجمةً للمرحلة الأولى لما بعد حيفا، دخلٌ في المسكوت أم أن المسكوت عنه أكبر وأكثر.
زعيم آخر لامس المسكوت عنه دلالة دون أن يفصح هو رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برى، الذي أعلن عشية الزيارة التي لم تتم للبنان وفي وجه كوندا ليزا رايس، بأن شروط تبادل الأسرى قد تبدلت عما كانت عليه، عندما بادر الى طرح رزمة محددة، تبدأ بوقف إطلاق النار ثم بعدها التفاوض على تبادل الأسرى اللبنانيين في مقابل الأسيرين الإسرائيليين ،هل كان برّى يلوح بالمسكوت عنه فيما كان يتحدث عن اختلاف الزمان والشروط والسيطرة على المكان؟!
شخص واحد لم يتحدث تصريحاً ولا تلميحاً هو السيد حسن نصر الله، الذي ظل يفاجئنا ويفاجئ العالم بأنه القادر على إهانة الجيش الذي لا يقهر، الذي أعتاد على معارك خاطفة ونصر سريع.. ربما تكون أهمية السيد أنه كلما قال صدق وكلما سكت كذلك صدق.
* * *
قانا ليست مجزرة أو مذبحة أو حتى مُزهقة أرواح أطفال.. قانا تعبير عن إنهيار الأخلاق وبلادة الحس وفقدان الضمير. بدا الرئيس جورج بوش وهو يتحدث بعد قانا مثل شيطان، مثل مهووس أبله يقود مزارعين ولا يقود علماء ومبدعين وأمة ودولة عظمى. لم يفهم كيف يلتقط العناصر، وينظّف تاريخاً مثقلاً بالجريمة، وازدواجية المعايير، والكذب الدامغ المخجل والمدوي، وعلى رؤوس الأشهاد في حربه على بغداد!
ما ذنب أطفال قانا، ما علاقتهم بالقاعدة، وكيف يصر السيد بوش ولماذا بلير تحديداً، على أنهما لا يزرعان الإرهاب وإنما يحاربانه؟!
* * *
ليس بوش وحده ولا بلير.. بعض الزعماء العرب لم يلتقطوا الفرصة، ولم يتقدموا ليضغطوا، فيخرجون من خمولهم والبلادة والعجز ويدخلون تاريخاً خلّفوه مظلماً ومخجلاً.
كانوا ومازالوا يملكون الفعل ولو بتجميد علاقات، أو سحب ممثلين، أو إطلاق العنان لحرية الرأي والعمل، حتي تعي الولايات المتحدة الدرس.. وامعتصماه .. فالذين الذي لا يلتقطون لا يملكون حساً ولا غيرة وطنية..
* * *
استفاد اللبنانيون من كارثة العراقيين.. لم يختلفوا ولم يقتتلوا ولم يغيروا أثوابهم، واعتصموا بالوحدة الوطنية في مواجهة الاجتياح والاحتلال وإرهاب الدولة الإسرائيلية.. الحرية والديمقراطية والغيرة الوطنية التي تسود شعباً تختلف وتتعدد أطيافه، تحمله على بلوغ مجد لا يتهيأ لأعظم الشعوب.
الشعب اللبناني الصغير الحضاري المتعدد يصنع الآن مجد المنطقة.. يعلّم العالم
* * *
الإنزال الجوي في محيط مستشفى بيت الحكمة في بعلبك أخطأ تحقيق هدفين: أولهما القبض على أحد رموز القيادة في حزب الله ونقله إلى إسرائيل، والثاني رفع معنويات الإسرائيليين الذين تزعزعت لديهم الثقة في حسم معركة ربما يطول أمدها، بينما يُمعن القصف الصاروخي في تهديد حياتهم.
عملية الإنزال استعراضية بأكثر مما هي عسكرية، إذ ليس لدى حزب الله مثلما في الجنوب .. كان السيد حسن واضحاً حينما قال أننا لا نقاتلهم جيشاً لجيش وإنما حرب عصابات.. مرة أخرى يخفق أولمرت وبيريتز ما داما لم يقبضا على الهدف، ومرة أخرى يسابق الإسرائيليون الزمن فيزدادون عنفاً وشراسة وإرهاباً يفجع العالم.
* * *