كيف تهدأ المنطقة والمرء لا يستطيع أن يرفع صوته مجاهراً فى الإدانة لعملية يوم الأثنين فى تل أبيت ضد المدنيين ، سوف يظهر من يحاججك ويسألك لماذا يفعلون كل ما يفعلون من استخدام فاجر ومفرط للقوة ، ويمارسون إرهاباً يفوق القدرة والاحتمال لماذا لايرتفع رأى ولا ينادى أحد حتى فى الأمم المتحدة بوقف كل هذا العنف والإرهاب والتجويع واستخدام القوة الفادحة !
وفى الحقيقة لم أملك الكثير من الأدوات لأعيد إعلان أو إنتاج موقفى، من مثل هذه العمليات التى رحت أردد منذ وقت بعيد، بأنها عمليات لا طائل من ورائها ولا تخدم المصلحة العليا للفلسطينيين ، وأنها تمثل نكوصاً وارتداداً عن الرغبة المخلصة التى يبديها الشعب الفلسطينى للسلام والتعايش المشترك، فوق هذه الأرض المقدسة التى أنهكتها الحروب وأثقلت كاهلها العمليات الإرهابية المتبادلة ، إذ قبل أن نتحدث عن إرهاب 'ملتبس' فصائلى فلسطينى ، ينبغى أن نتحدث عن إرهاب رسمى اسرائيلى : إرهاب قتل واغتيال، واجتياح واحتلال ، وقصف بكل الأسلحة والطائرات مدعوم بإرهاب سياسى أمريكى دؤوب ومتصل، ولا يخلف للفلسطينيين أفقاً يرفعهم نحو الأمل والجدوى وملامسة أى استحقاق .
نرفع الصوت عالياً .. ندين العمليات عن قناعة وبشجاعة وصراحة، ثم يكون رد فعلهم أنهم يتجاهلون الإدانة ويلقون بالتهم جزافاً والمسئوليات !! كم مرة سمحوا للسلطة الفلسطينية التقاط أنفاسها لتحارب الخروج على نص المصلحة العليا للفلسطينيين ، إنهم بالتأكيد يفعلونها قصداً ، فلا إسرائيل ولا الولايات المتحدة تريدان حلاً عادلاً ومنصفاً يهدئ من غليان دمنا... أما الموقف الأوروبى فهو موقف منافق ؛ فى أخف الأوصاف ، ومشترك فى حرب التجويع على الفلسطينيين التى تشنها إسرائيل والولايات المتحدة.
***
هذه المرة لن أعلن الغضب ، ومثل مواطن تطحنه هذه الحرب العنصرية التى تستهدف تجويع شعب كامل، لأنه يقاتل ضد الاحتلال ولأنه اختار الديمقراطية فى أرقى تجلياتها وأعلاها شفافية ، وفى الوقت ذاته مكافأة إسرائيل على إرهابها ومخططها التجويعى وعقوباتها الجماعية ... سأكتفى بالقول أننى ضد العمليات ضد المدنيين من حيث المبدأ والأساس ، ولكننى لا أملك إدانة من يتعرضون للجوع والقتل اليومى، فالجوع كافر والظلم والبطش والاستقواء أشد كفراً ... وفوق الكفر أن يتحول العالم إلى عالم ظالم يخرج بالفلسطينيين عن وعيهم .
****
مفتاح الحل بسيط وسحرى يكمن فى الامتثال إلى القيم الأعلى : الحرية والعدالة ، ثم وهذا هو الأهم، أن لا تكون هناك دولة إثنية فى عصر يسود فيه انفتاح الآخر على الآخر حتى لاتظل هناك قيود أو حدود .
بهذا أظن أن شعار الدولة الديمقراطية، التى يتعايش فيها الجميع بحقوق ومواطنية متساوية، يظهر من جديد مثل ترياق سحرى لصراع يتحول يوماً بعد يوم إلى حرب عنصرية تسعى لتحقيق دولة إثينيه خالصة ... هى الدولة اليهودية .
***
فى العراق يتآكل العراقيون كل يوم ، والحرب الأهلية أو الطائفية ، لا فرق ، تهدد بشبحها بخروجها عن السيطرة ، كل سيطرة ، وأولها السيطرة الأمريكية التى لم تعد يعرف العراقيون فى واشنطن كيف يعالجون آثارها ونتائجها ، بعد المآزق الكارثية التى نشهدها والتى هى من صنع الأرثوذكسية المسيحية فى واشنطن .
اختلطت علينا الأمور فلم نعد ندرى الفرق بين الاحتلال وإشاعة الديمقراطية ... عل هما وجهان لعملة أمريكية واحدة ! وهل على العراقيين أن يقبلوا بكل هذا التنكيل والاهانات لأن بعضهم يريد أن يحكم ليس على حراب الاحتلال فحسب وإنما على جثة آخر العراقيين ! وهل يرحم الله صدام الذى لم يرحم !!