نتوقف عند الأوضاع عامة وفي قطاع غزة بشكل خاص، ليس لمحاولة الخروج على الناس بخطاب يهدئ من هواجسهم او يبدد قلقهم المشروع والجدي في هذه اللحظات، وانما للدخول في قراءة متأنية تستكشف ما يدور في العمق مما لا يظهر على السطح، او مما لا يُراد له ان يظهر. هل نحن في مأزق، وفي أزمة حقيقية؟ هذا سؤال، لكن السؤال الذي هو بأولوية على كل الأسئلة هو كيف نقيم الأزمة اولاً، ثم كيف نخرج منها؟
وعلينا ان نقر منذ البداية بأن الأزمة هي داخل حركة فتح وليست داخل السلطة، وان كانت على انعكاسات بالغة الأثر عليها بدليل الإستقالة التي وضعها رئيس الوزراء بين بدي الرئيس، وبدليل أن كل السلطة الوطنية الفلسطينية فضلاً عن الشعب الفلسطيني مشغولون بالمأزق أو الأزمة.
وقد يرى البعض أن الأمر لا يُفرق. اذ ما قيمة أن تكون الأزمة داخل فتح ولا تمتد الى باقي التنظيمات والأحزاب والأطراف الفلسطينية؟. ونسارع الى الإجابة، بل هناك فرق وهناك خطر جسيم ففتح هي المنظمة الأعلى والأوسع وهي منظمة السلطة أو حزبها، وهي بهذا المعنى الصيد الأثمن، والتي يؤدي المسُّ الجوهري بها الى انهيار السلطة، وبالتالي الى شيوع حالة فلتان وفوضى تكلف الشعب الفلسطيني كثيراً وتعود به الى الوراء سنوات طويلة.
وربما لا يكون الأمر في الظاهر ممنهجاً، بمعنى أن ثمة تخطيطاً مسبقاً له، حين يتحدث الكل من مختلف الأطياف في فتح عن تجاوزات او مظاهر، لا تتعدى أشخاصها او الجهات التي تعلن عن نفسها! ونظن أن مثل هذا التبسيط مقصوداً كان او غير مقصود انما يحمل في طياته خداعاً للنفس ويُراكم المظاهر أو الظواهر ويكرسها، بدلاً من أن يعالجها ويقضي عليها. ولكي نخرج من التعميم الى التخصيص فإننا نرصد في السياق حملة اسرائيلية ضارية ومبرمجة رافقت ما حدث في غزة وفي المنطقة الوسطى ورفح، تحدثت عن فلتان امني وفوضى وراحت تمهد لإنهيار شامل وتام للسلطة الوطنية الفلسطينية.
لقد افتتحت الإذاعة الإسرائيلية الحملة حين اعلنت ان السلطة اعلنت حالة الطوارئ وأن حراسات قد كثفت على المؤسسات الحكومية على الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الفلسطينية بشكل خاص، وهو أمر لا ننفيه وحسب وانما تندهش له ونقدّر أنه إذا كان على صانع القرار الإسرائيلي ان يبني تقديراته على مثل هذه المعلومات، فإنه سوق يقع في خطأ تتبعه خطايا واخطاء، فليست الإذاعة الإسرائيلية وحدها وانما كبار الصحفيين الإسرائيليين وقعوا في الفخ وبدأوا تحليلاتهم على أساس المعلومات والأخبار التي بثتها اجهزة الدعاية الإسرائيلية بدعم من السلطات!!
لقد اختار المخططون في اسرائيل والولايات المتحدة هذه اللحظة اختياراً دقيقاً، فالطرفان يريدان الخروج من قرار محكمة العدل الدولية الذي يثير أزمة ويستدرج مأزقا للولايات المتحدة ولاسرائيل بنفس الدرجة. ان القرار مرشح لنمو تراكمي يعيد فتح الملف ليس فقط ملف الجدار وانما ملف القضية الفلسطينية والقرارات الدولية وصولاً الى قرار اللاجئين 181 على اتساعها. لذا يجب ارباك السلطة وطرحها امام العالم في صورة العجز والشلل وعدم القدرة على الامساك بزمام الأمور.
في رأينا فإن هذا هو الوضع الأخطر والأولى بالنظر.. واذا كان البعض لا يرى ذلك فليقرأ في الصحافة الإسرائيلية وتصريحات المسؤولين منذ رئيس الحكومة وحتى أصغر مسؤول ليلتقط الخيط وليدرك حجم المؤامرة، وبالتالي ليقف الموقف الوطني الفلسطيني الصلب الذي اشتهرت به فتح اثناء الازمات والشعب الفلسطيني المناضل البطل في ظل الأخطار وفي ساعات الحسم.
لقد أجرى ياسر عرفات تغييرات في الأجهزة الأمنية، وقلص من عدد هذه الأجهزة او أعاد ترتيب أوراقها، اي أن الشرعية قامت بدورها وتولت مسؤوليتها، وعلى الذين يتولون المسؤولية تبعاً لذلك أن يدقّقوا في أدائهم وان يتحلوا بالحكمة والأمانة وشفافية التصرف والعمل حتى نفوت جميعاً، سلطة واهالي، الفرصة على المتربصين بالقضية الفلسطينية. هؤلاء الذين يحاولون التسلل الى عريننا والتغلغل في أوساطنا وصولاً الى المس بنسيجنا الوطني.
الأغلبية الصامتة تنتظر وهي تنشد أمنها وأمانها وكل تغيير يُحسب بما يحققه فوق الأرض، ولا يهم الأشخاص وانما المصلحة العامة. كل تغيير هو من حق الشرعية وسوف تظهر نجاعته حين يصب في المصلحة العامة ويعالج الوجع العام. فإذا لم يفعل فليصبح التغيير سنّة الشرعية، ويفضي التغيير الى تغيير آخر أكثر امناً.
هذا الوطن وطن الفلسطينيين جميعاً وليس لأحد أن يحتكر حبه كما انه ليس من حق أحد ان يصمت في بدايات الأزمة حتى لا ندخل في مركزها او نصل الى ذروتها.