موقع الكاتب الفلسطيني زياد عبد الفتاح 
 
 �������       29/5/2023�         22:24

قصة مقالين
الاحد 1/7/2007م    01:54ص

قررت أن أحرر نفسي، أن لا أكتب لأحد، لأية جريدة أو مطبوعة تنتهكني وتصّدني وتذبح تاريخي من الوريد الى الشريان التاجي! كلهم استبداديون صغار، وحين تكون السلطة لهم، وبين أيديهم تستبد بهم شهوتهم الى التسلط، وفي حين يتغنون بالديمقراطية، ويروق لهم استخدام تعبير الشفافية دون أن يدركوا السحر الكامن في الكلمة، فإنهم يذهبون الى  تغبيش وتعتيم كل كريستال شفيف، وينقلبون أسوأ أسوأ من الاستبداديين في الممالك والثغور. يلذ لرئيس تحرير أن 'يعقُرك' بين ألف مقال ومقال، فيمنع نشرك: يذكرك بأنه لا رأي لك، لأنك تكتب رأياً لا يأتلف مع رأيه! ليس هذا وحسب، وإنما أكثر أكثر، لا يعتذر ولا يرد على هاتف وكأن الكاتب أجير! ثقافة جهل وحمق وضحالةُ اعتقاد، بأن الذي يملك المنبر يملك الإبداع .. لم يفهموا بعد أن ثمة كتّاباً لا يغريهم المال على الرغم من الشح المهين الذي يُدفع في المقابل، مثلما أن هناك مبدعين لا يرضون أن يكونوا عيناً أو عيوناً لصاحب مطبوعة يلخص الحالة بأنها مصلحته وليذهب الإبداع الى الجحيم.

قررت أن أحرر رأيي ولو من شبهة الإحساس البعيد البعيد، الذي لا يُدرك، بأن هذا الرأي أو ذاك، يُغضِبُ أو يِعكّرُ مزاج صاحب جريدة لايقدّر جريدته،لا يقدّر الآخرين. أحياناً يبدو لي أنه موقف فيه غلّ وتشفّ، كيف تكتب ومن أين تغرف وهم ينحتون فلا يفلحون!

وقررت أن أظل على اعتقادي بأن كل رأي متميز يغنيك ، وكل كتابة صادقة صادرة عن عقل القلب وعقل العقل، فيها غواية التعبير وسحر النقش، ترفعك وتُعليك. وظللت أطرب عندما أقع على نص يجتاحني، وأنبهر وأفرح، لأنك مثلما تكتب وتطرب، فإنك تقرأ فتُعجب وتُدهش، يملؤك النص الساحر العالي فتردد بينك وبين نفسك مرة بعد مرة.. الله.. الله.. لو كنت فعلت غير ذلك، لو كنت استسلم لما يستسلم له غيري من الحسد والحقد لأضحت كتابتي صفراء، ولما تجرأت على المبنى والمعنى وجدّفت في البحار واعتليت سفناً وسحاباً وغيوماً ممطرة.

وأعترف بأنني في كتابتي خرجت كثيراً على وعن النص وفي أثناء ذلك كنت أدرك بانتباهي العالي أنني أَجرحُ، فأدبّر للخروج لغة تُدخله القلب والعقل والوجدان.. ثمة وظيفة أخرى اللغة: خلط المعقد بالبسيط، والتسلل كي يستقر الغريب فيغدو قريباً.. ليس أي غريب وإنما كل غريب يسمُق و يُمتع ويتجلّى.

وقررت ولم أكُ  ممتتعاً بقراري.. عمر علاقتي بالقلم حين يخمش الورق، وهو يستقبل سن الريشة تسكب فوقه نبض القلب وقلق الروح، ثلاثين، أربعين عاماً.. لا يملك الموقع الالكتروني شحن القلب بغذاء، طاقة فرح مثلما يفعل الورق وهو يستكين لعنان مداد يتأوّه ويتأوّد ويكون أحياناً في كثافة حزن الدم. لم أتفطن من قبل الى العلاقة الحميمة بين العقل والقلب والحبر والورق، كم هي أصيلة وراسخة وقادرة في كل وقت على تفريغ شحنات، وإنتاج عوالم تستحضر رؤى وأحلاماً وشخوصاً، تُسحرك وتُفاجئُك وتأخذك بعيداً يرفعك ويحلق بك وتحلّق به.. كم هم حمقى  هؤلاء الصغار الذين لا ينتكهون  رحابة فضاء التعبير وهو ينطلق شهاباً في سرعة البرق ليحطّ عند الذروة و سدرة المنتهى، وليكون دليل الناس وحاديهم الذي يُرقّصهم ويرقص في إيقاعات فرح قادم من عميقِ بعيدِ الحزن والألم والقهر والمعاناة.. لم أقل كل ما يقال.. قلت أقّله حينما غلّوا قلمي عن النشر، قلت أن الجندي يقاتل عندما يتقدمه قائده، وحين يحس بأنفاسه الى جواره تسبقه أو تلاحقه، وأنه لا مقاتل يقاتل عن قائد غائب، وكنت أقل قسوة وأشد تهذيباً ولم أتحدث عن ' قائد هارب' .كان عنوان مقالي الذي صادرته الجريدة ' التقصير' وقبله صادروه كذلك وكان عنوانه 'في ريح الرئيس'  ،ولأنني لا أرغب في تكرار ممل بقدر ما أقصد إلى ترويد نافع يرسخ في النفوس الفلسطينية الجريمة، فإنني سوف أبادر الى نشر المقالين جملة وتفصيلا بعد هذه المقدمة لسببين اثنين:

الأول: أنني أرى أن علينا أن نقرأ فيما جرى خلال ثلاثة أو أربعة أيام سقطت فيها حصون ' حركة فتح' وقلاعها وكأنها كانت قلاعاً من ورق.. لا لم تكن ورقاً وإنما كان ثمة نهج أخرق أحمق أعمى وجبان، لم يحسب أساساً ولم يخطط أو يبرمج وإنما ذهب الى هزيمة كارثية محققة! هل كان ذلك هو الهدف؟! وإلا كيف وصلت الحالة الى ما وصلت اليه؟ وكيف يمكن تفسير الغياب الواسع والمتعدد لقيادات أشبعتنا مرجلة ولطماً، ولم تفز بالإبل؟

أما السبب الثاني فإنه ربما يكون على نفس القياس من الأهمية لقد آمنت طويلاً بالتعددية والنطاح أو حتى النكاح بين الرأي والرأي الآخر. ولقد دربت نفسي بجهد خارق، أنا المنتمي لجيل من المتشددّين والمتعصّبين، على استقبال الآراء مهما مهما شذّت وبالغت وانغلقت، أما أن أقبلها أو لا أقبلها فتلك مسألة أخرى. ولذا فإنني اعتبرت ذلك اليوم الذي منع فيه رئيس تحرير الصحيفة التي أكتب لها  مقالي من النشر والصدور، يوم فجيعة كبرى،  أعقبتها محنة أخلاقية حين لم يعتذر ولم يقدم أسباباً.. كانت هذه أشد وأقس وأذل سبيلاً..
 

إخفاء الكل
||
عرض كافة التعليقات
عدد التعليقات (0)
التعليقات مملوكة لأصحابها ولا تعبر عن رأي الموقع
لا يوجــد تعليقـــات

عنوان التعليق
الاسم
البلد
التعليق
500





هذه الصور هي التسلسل الزمني للتاريخ للكاتب زياد عبد الفتاح
وهي ملك لصاحبها ولا يحق لاحد التصرف باي ماكان من هذه الصور