ليس الحجاب ولا النقاب هو السؤال وإنما أسئلة أخرى ثقافية وإجتماعية وأسئلة تربية وسلوك وأخلاق ثم قبل ذلك وبعده أسئلة تتعلق بتعايش الحضارات وإنفتاح الروح على الإبداع الانساني، الذي لا وطن له ولا مّلة ولا دين. وفي الماضي قبل الثورة الصناعية وفي العصور الوسطى قامت مذابح ونشبت حروب سلفية وتعصب ديني حصدت أعداداً هائلة وبخاصة في أوروبا.. وفي بلادنا تختلف الاسئلة، ففي فلسطين تعايشت الأديان على مر العصور.. قطعنا مرحلة هامة لم يعد بيننا من يسأل بعد، فالمسرح والسينما والتماثيل والتمثيل والرسم والكتابة الحرة المفتوحة على الأفق وحرية الرأي الشجاعة والعقيدة.. كل هذه باتت خلفنا وكلما بدا أن هناك من يريد أن يضعها أمامنا كلما أدركتنا الهزائم وأضعنا الاستحقاقات والحقوق.
* * *
ما العمل؟ هل أكتفي بتشخيص الظواهر الجارحة مستخدماً لغتي في استدراج مشاعر فياضة أو رخيصة، أم أمضي الى الحل مباشرة ولو يزعج البعض ويغضب الكثير؟! كمواطن فلسطيني، مناضل ووطني،لا أرى أفقاً غير أن تستقيل حكومة 'حماس' من تلقاء نفسها وتفسح المجال لحكومة أخرى، ليست حكومة 'فتح' على أي حال، وإنما حكومة مصالحة وطنية لا تكون فيها حماس على الاطلاق، مكتفية بدورها رقيباً وحسيباً على الحكومات.. تسقطها وقتما تنحرف أو تٌغالي أو تذهب شططاً..
هذا ليس رأياً وإنما رؤية ورؤيا.. وإلا فالفلسطينيون الى كارثة.
* * *
عندما عدنا حملنا معنا ثقافات ورؤى واختلافات معتقدات وحرية. ولم يكن السبب عبقريات خاصة أو ابداعاً وتميزاً بقدر ما كان خبرة وتجربة وتمازج ثقافات، واحتكاك أجناس، ودراية بما يدور خارجنا وحولنا.. وفي البدايات كنا نخجل أو نهاب أن نمنح النادل في مطعم أو مقهى ما قد تعتبره ثقافة بعينها، عرفاناً بحسن الوفادَة وثمن خدمة مخلصة. أساساً كان النادل الفلسطيني حينما كان بعضنا يعرض ' بخشيشاً' على استحياء، يرفض وقد يغضب! الآن وصلنا حالة من المهانة تعزّ على الوصف: طوابير من المتسولين الفلسطينين والقادم أعظم!!
* * *
أثارت في ذهني جريدة الأيام في عدد الخميس الماضي أسئلة، تتعلق بالثقافة والإبداع، وقبل كل شئ بحرية الرأي وحق الكاتب في التعبيرالحر. وأظن انني بعد سنة من الكتابة الأسبوعية لم تخطر ببالي الاسئلة مثلما تخطر الآن! ذلك لأنني ظللت اكتب في مناخ مشجع ومريح: تطرأ لي الفكرة فأفرغها على الورق وأبعث بها الى الجريدة التي تنشر دونما حسيب أو رقيب، بل إن المدقق كان يهتف لي أحياناً، فيسألني عن كلمة أو تعبير أفلت من الطباعة أو غاب عني، فأشكره وأحمد له إهتمامه. على أنه هذه المرة أقصد الخميس الذي فات، قد تدخل المحرر في حذف ما يكاد يكون فقرة بكاملها، دون أن يشاورني أو يرجع الى أو ربما يطلب مني أن أتصرف فيما اكتبه. ولأنني عملت في الصحافة زمناً فأنني أفهم مقتضى الحيز أو المكان، وإن على عاتق المحرر أن يختارعندما يصطدم بضيق المكان وأعترف أن مقال الأسبوع الماضي قد أفلت مني لأنني كتبته في وقت مشحون وتحت ضغط أفكار راحت تزاحم بعضها، فلم أنتبه الى أنه قد طال وربما خرج عن مقتضيات الحيز أو المكان.. غير أن هذا لا يعفي ولا يغني عن الأسئلة هل من حق المحرر أن يحذف ما يتراءى له؟ وهل على الكاتب أن يقبل أو يرضخ؟ إن الرقابة على الكتابة والإبداع عموماً هي نتاج ذهني بشع للنظام الشمولي والاستبداديين الذين حكموا بالحديد والنار.
ما علينا.. كنت الأسبوع الماضي قلت فيما قلت بلسان ' فرانسواز' احدى بطلات رواية 'البحث عن الزمن المفقود': ما دمت اعلم ما ينضج في قدري فلا اهتم بما ينضج في قدور الآخرين ' ولأصح ما لا ينضج أساساً في قدور الآخرين'..
وقلت ايضاً وهو ما تم حذفه! لم أجد تعبيراً أعلى في الرد على من يتكئون على ثقافة ضحلة، ويلتمسون شهرة في القذف والسباب، وليس في قدورهم ما يثير الفضول..
* * *