أين نُدرج حادث الأمس القتل الجريمة الوحشية المدبرة ضد أطفال في رفح يلعبون الكرة؟ كيف نفسر القتل المغلّظ والمشدد اذ هو ليس قتلاً لمرة وانما قتل لمرتين، بما انه ازهق أرواحاً وبما انها أرواح أطفال أو صبيان؟!
ماذا يقولون لتاريخهم وكيف يفسرون لأولادهم وبأية عبارات يصفون الجريمة ولمن يحملون مسؤوليتها؟!
الاعتذار لا يقدم ولا يؤخر ولا يضع المجرم في خانة ترتفع عن ارتكاب جريمة فظيعة عن عمد وسبق اصرار، كما ان الاعتذار لا يغير الوصف فهي ليست جريمة وحسب وانما هي مجزرة ضد أطفال وأبرياء كانوا يلعبون وكانت أحلامهم تتجاوز أقدامهم وترتفع في الفضاءات الرحبة. ربما ان احدهم حلم بماردونا أو رينالدو أو رينالدينو!
الجريمة جريمة شنيعة بل فعل ارهابي من الدرجة الأولى، ولا يمكن لاعتذار أن يحيط بها أو يحاصر آثارها، واننا سنتوقف عندها: عند بشاعتها وشراستها والضحايا الشهداء الأطفال أحباء الله، ولكننا سنتوقف أكثر عند الملاحظات التالية:
1- موضوعياً وواقعياً كذلك، لا يمكن النظر الى الامر على انه حادث خطأ أو حادث عابر … قد يكون هناك احتمال ما بنسبة ما ولكنها نسبة ضئيلة أقل من نسبة الخطأ في الاستبيانات، ذلك لأننا نعرف الأمن الإسرائيلي، والاحتياطات الأمنية، والتدقيق الأمني في كل شاردة وواردة، والأجهزة الأمنية اللاقطة بحساسية لا تعرف الخطأ.
كل هذا يدفعنا الى فرضية راجحة رجحاناً بيناً وهي ان القتل صدر عن قاتل أو قتلة يدركون ما يفعلون! هنا نصبح أمام سؤال حول ظاهرة تحترف القتل. وهل ان هذه الظاهرة أصبحت أو ستصبح سمة تضرب في عمق الأخلاق الاسرائيلية؟ وبالتالي هل نحن أمام خطر يتسع فيصبح قتلاً عنصرياً؟ ها هي تعاليم الحاخامات تؤتي ثمارها ويصبح قتل الفلسطينيين واجباً دينياً ليس فقط في الكنس وانما فوق الارض ايضاً !!
2- الملاحظة الثانية في مجزرة الاطفال في رفح أنها تأتي في وقت حرج. وقت تقاتل فيه السلطة الوطنية الفلسطينية بكامل أوراقها من أجل ترتيب البيت الفلسطيني، وتأمين الأمن والأمان لكل المواطنين ولوقف كل ما من شأنه تخريب التفاهمات الفلسطينية الاسرائيلية الأمريكية والدولية. ووقت يعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي الانسحاب من القطاع ومن المستوطنات ومن كل ارض محتلة فيه، الأمر الذي يسمح بالاعتقاد بأن التهدئة هي السياسة والأساس وان الممارسات البناءة ينبغي أن تحكم ليس الأفق فحسب وانما أيضاً كل ما من شأنه تعكير صفو عملية سلمية تشق طريقها وسط أجواء هشة يضرب في اساسها وقد يقودها كل حادث أو جريمة إرهابية بشعة بخاصة اذا صدرت عن جهة رسمية أو ما يشبهها.
والسؤال هل هذا الحادث الإجرامي الارهابي ضد الأطفال هو حادث مبيت هدفه دق المسامير في نعش السلام؟ إن الاجابة عن السؤال ترسم صورة القادم في علاقة تتحرك بحذر وتحتاج الى مداميك ثقة ونوايا طيبة. وان الاعتذار لا يعالج المسألة بقدر ما يثير أغبرة وشكوكاً.
3- الملاحظة الثالثة أن هذه المجزرة تترافق مع إجراءات إسرائيلية وممارسات تتمثل في اقتحامات لقرى في الضفة وقتل لا يتم الاعتذار عنه!! ونسف بيوت والاستمرار في بناء الجدار العنصري وتسمين المستوطنات وبناء وحدات سكنية جديدة وتهديد المسجد! ان هذا كله فضلاً عن انه لا يقيم سلاماً يفتح الباب واسعاً امام سؤال الأسئلة بالنسبة للفلسطينيين: هل ان في نهاية النفق ما يقود الى الدولة؟ أم ان الدولة مجرد وهم أو أنها غامضة بذات الغموض الذي يقصدونه عندما يتحدثون عن غموض بنّاء !!
ثمة قاعدة وأساس ينبني عليه السلام: قيام الدولة الفلسطينية المستقلة 'متصلة الأطراف والطرق والأراضي' وعاصمتها القدس، وما دامت الأهداف واضحة فان الوضوح هو الذي يقود الى تحقيقها وليس الغموض يمكن لغموض ان يكون بناء.
4- الملاحظة الرابعة ان هذه الجريمة المجزرة قد صممت لاستدراج رد فعل مشوش. واذا اخرجنا من الحسابات رد فعل السلطة الوطنية، بمعنى انها لن تسعى الى رد مسلح فان الرهان الاسرائيلي –اذا كانت الجهات الرسمية الاسرائيلية وراء الجريمة هو استفزاز القوى الوطنية الفلسطينية بأطيافها المختلفة والتي التزمت بالتهدئة واستجابت للتوجهات الرسمية الفلسطينية. اما اذا كانت المجزرة من صنع متطرفين او مستوطنين او آخرين ممن احترفوا القتل فان الامر يصبح أكثر تعقيداً اذ يصيب هنا وهناك بمعنى انه يصيبنا ويصيبهم وفي هذه الحالة فانه يصيب المجتمع الاسرائيلي في العمق!
اننا هنا نربط بين التوقعات في اوساط الاستخبارات الاسرائيلية حول انقلابات عسكرية يمكن ان تحدث في اسرائيل وبين هذا القتل الآخذ في التكرار والازدياد، بازدياد العسكريين المتدينين او المتزمتين. هكذا يصبح الخطر مشتركاً ويصبح الاعتذار بدون عنوان. فالعلاج ليس في الاعتذار وانما في الذهاب الى العملية السلمية بقلب مفتوح وارادة واضحة لا يشوبها الغموض.
وفي النتيجة قد لا يكفي هذا المقال لتوصيف الحالة وللخوض في تفاصيل الجريمة المجزرة واهدافها ودوافعها. ذلك ان ثمة ما يربطها ربما بأمر آخر جوهري لنا معه حديث آخر ويلخصه السؤال التالي: هل ان مجزرة رفح مقدمة لمجازر او حوادث كبرى غيرها؟ حوادث مبرمجة ومدبرة لكي تبقي على التوتر رهاناً على ما هو اخطر من كل ما ذكرنا وهو استنزاف الوقت الذي لا يذهب فقط بوقتنا وانما ايضاً بوقت هذه الادارة الامريكية المحددة المدة تماماً؟ والى ان تأتي ادارة جديدة يضيع وقتها، هي كذلك في قراءة الملفات ثم في معالجة المماطلات جديدة؟